فصل: 301- باب النهي عن التكلف، وهو فعل وقول ما لا مصلحة فيه بمشقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تطريز رياض الصالحين



.301- باب النهي عن التكلف، وهو فعل وقول ما لا مصلحة فيه بمشقة:

قال الله تعالى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86].
يقول تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم: قُلْ يَا محمد لهؤلاء المشركين {مَا أَسْأَلُكُمْ} على هذا البلاغ، وهذا النصح أَجرًا تعطونيه من أموالكم.
{وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}، أي: ما أزيد على ما أرسلني الله به، {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} [الأنعام: 19].
1655- وعن عمر رضي الله عنه قال: نُهِينَا عَنِ التَّكَلُّفِ. رواه البخاري.
التكلف: كل فعل أو قول لا مصلحة فيه، وهو مضر بالعقل أو البدن، أو الدِّين.
1656- وعن مسروقٍ، قال: دَخَلْنَا على عبدِ اللهِ بْنِ مَسعُودٍ رضي الله عنه فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَلْيَقُلْ: اللهُ أعْلَمُ، فَإنَّ مِنَ العِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لا يَعْلَمُ: اللهُ أعْلَمُ. قالَ اللهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]. رواه البخاري.
قال الحافظ: وقوله: «إن من العلم أنْ يقول لما لا يعلم: الله أعلم»، أي: أن تمييز المعلوم من المجهول نوع من العلم، وهذا مناسب لما اشتهر من أن القول فيما لا يعلم، قسم من التكلف.

.302- باب تحريم النياحة على الميت ولطم الخد وشق الجيب، ونتف الشعر وحلقه والدعاء بالويل والثبور:

1657- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «المَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ».
وَفِي روايةٍ: «مَا نِيحَ عَلَيْهِ». متفق عليه.
فيه: أن الميت يعذب بنياحة أهله عليه، إذا كان النوح من عادتهم، ولا أوصاهم بتركه.
1658- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ». متفق عليه.
في هذا الحديث: وعيد شديد لمن فعل ما ذكر.
والمراد بدعوى الجاهلية: ما يقولونه عند موت الميت، كقولهم: واجبلاهُ، واسنداهْ واسيداه، والدعاء بالويل والثبور.
قال الحافظ: وهذا يدل على تحريم ما ذكر من شق الجيب وغيره. وكأن السبب في ذلك مَا تَضَمَّنَهُ من عدم الرضا بالقضاء، فإن وقع التصريح بالاستحلال فلا مانع من حمل النفي على الإخراج من الدين.
1659- وَعَنْ أبي بُرْدَةَ قال: وَجعَ أبو مُوسَى، فَغُشِيَ عَلَيْهِ، وَرَأسُهُ فِي حِجْرِ امْرَأَةٍ مِنْ أهْلِهِ، فَأَقْبَلَتْ تَصِيحُ بِرَنَّةٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا شَيْئًا، فَلَمَّا أفَاقَ قَالَ: أنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ بَرِئَ مِنْهُ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَرِيءٌ مِنَ الصَّالِقَةِ، والحَالِقَةِ، والشَّاقَّةِ. متفق عليه.
«الصَّالِقَةُ»: الَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِالنِّيَاحَةِ والنَّدْبِ. «وَالحَالِقَةُ»: الَّتِي تَحْلِقُ رَأسَهَا عِنْدَ المُصِيبَةِ. «وَالشَّاقَّةُ»: الَّتي تَشُقُّ ثَوْبَهَا.
قال الحافظ: الصالقة: التي ترفع صوتها بالبكاء.
وفي الحديث: دليل على تحريم هذه الأفعال.
1660- وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ، فَإنَّهُ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيهِ يَومَ القِيَامَةِ». متفق عليه.
قال البخاري: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه».
إذا كان النوح من سنته، لقوله تعالى: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع ومسؤول عن رعيته». فإذا لم يكن من سنته فهو كما قالت عائشة رضي الله عنها: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ} [الأنعام: 164].
وهو كقوله: {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} ذنوبًا {إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} [فاطر: 18]، وما يرخص من البكاء في غير نَوْح. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفلٌ من دمها؛ لأنه أول من سنّ القتل».
1661- وعن أُمِّ عَطِيَّةَ نُسَيْبَةَ- بِضَمِّ النون وفتحها- رضي الله عنها، قالت: أخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِندَ البَيْعَةِ أنْ لا نَنُوحَ. متفق عليه.
قال البخاري: باب ما ينهى من النوح والبكاء، والزجر عن ذلك. وذكر حديث عائشة في قصة قتل جعفر. وحديث أم عطية ولفظه: أخذ علينا النبي صلى الله عليه وسلم عند البيعة أن لا ننوح، فما وفت منا امرأة غير خمس نسوة.
قال الحافظ: قوله: باب ما ينهى من النوح والبكاء والزجر عن ذلك، قال ابن المنير: عطف الزجر على النهي للإشارة إلى المؤاخذة الواقعة في الحديث، بقوله: «فاحثُ في أفواههن التراب».
قال الحافظ: وفي حديث أم عطية مصداق ما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنهن ناقصات عقل ودين.
1662- وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: أُغْمِيَ عَلَى عَبدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ رضي الله عنه، فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ تَبْكِي، وَتَقُولُ: وَاجَبَلاهُ، وَاكَذَا، وَاكَذَا: تُعَدِّدُ عَلَيْهِ. فقالَ حِينَ أفَاقَ: مَا قُلْتِ شَيْئًا إلا قِيلَ لِي أنْتَ كَذَلِكَ؟!. رواه البخاري.
فيه: بيان صورة تعذيب من لم يرض بالنوح، بل يقال له ذلك على سبيل التقريع والتوبيخ.
1663- وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: اشْتَكَى سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ رضي الله عنه شَكْوَى، فَأتاهُ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ مَعَ عَبدِ الرَّحمنِ بْنِ عَوفٍ، وَسَعْدِ بن أبي وقَّاصٍ، وعبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنهم. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، وَجَدَهُ في غَشْيَةٍ فَقالَ: «أقَضَى؟» قالوا: لا يا رسول اللهِ، فَبكَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَأى القَوْمُ بُكَاءَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بَكَوْا، قال: «ألا تَسْمَعُونَ؟ إنَّ اللهَ لا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ العَيْنِ، وَلا بِحُزْنِ القَلْبِ، وَلكِنْ يُعَذِّبُ بِهذَا- وَأشَارَ إلَى لِسَانِهِ- أو يَرْحَمُ». متفق عليه.
فيه: أنَّ البكاء والحزن الخاليين عن التضجر والتبرم بالقدر لا عقاب فيهما، وأنَّ العقاب والثواب يتعلق باللسان.
1664- وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «النَّائِحَةُ إذا لَمْ تَتُبْ قَبلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَومَ القِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِربَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ». رواه مسلم.
فيه: وعيد شديد للنائحة، وأنَّ النوح من كبائر الذنوب.
1665- وعن أَسِيد بن أبي أَسِيدٍ التابِعِيِّ، عن امْرَأةٍ مِنَ المُبَايِعاتِ، قالت: كان فِيما أخَذَ عَلَيْنَا رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي المَعْرُوفِ الَّذِي أخَذَ عَلَيْنَا أنْ لا نَعْصِيَهُ فِيهِ: أنْ لا نَخْمِشَ وَجْهًا، وَلا نَدْعُوَ وَيْلًا، وَلا نَشُقَّ جَيْبًا، وأنْ لا نَنْثُرَ شَعْرًا. رواه أبو داود بإسناد حسن.
قولها: ولا ندع ويلًا، أي: كأنْ تقول: يا ويلاه.
1666- وعن أبي موسى رضي الله عنه أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ بَاكِيهِمْ فَيَقُولُ: وَاجَبَلاَهُ، واسَيِّدَاهُ، أو نَحْوَ ذلِكَ إلا وُكِّلَ بِهِ مَلَكَانِ يَلْهَزَانِهِ: أهكَذَا كُنْتَ؟». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ).
«اللَّهْزُ»: الدَّفْعُ بِجُمْعِ اليَدِ فِي الصَّدْرِ.
قوله: أهكذا كنت. يقولان له ذلك تقريعًا وتوبيخًا.
1667- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى المَيِّتِ». رواه مسلم.
فيه: تغليظ تحريم النياحة، والطعن في النسب الثابت شرعًا.

.303- باب النَّهي عن إتيان الكُهّان، والمنجِّمين والعُرَّاف وأصحاب الرمل، والطوارق بالحصى وبالشعير ونحو ذلك:

1668- عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سأل رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَاسٌ عَنِ الكُهَّانِ، فَقَالَ: «لَيْسُوا بِشَيءٍ» فَقَالُوا: يا رَسُولَ اللهِ إنَّهُمْ يُحَدِّثُونَا أحْيَانًا بِشَيءٍ، فَيَكُونُ حَقًّا؟ فقالَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «تِلْكَ الكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ يَخْطَفُهَا الجِنِّيُّ فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ، فَيَخْلِطُونَ مَعَهَا مائَةَ كَذْبَةٍ». متفق عليه.
وفي رواية للبخاري عن عائشة رضي الله عنها: أنَّها سمعتْ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «إنَّ المَلائِكَةَ تَنْزِلُ فِي العَنَانِ- وَهُوَ السَّحَابُ- فَتَذْكُرُ الأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّماءِ، فَيَسْتَرِقُ الشَّيْطَانُ السَّمْع، فَيَسْمَعُهُ، فَيُوحِيَهُ إلَى الكُهَّانِ، فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ».
قَولُهُ: «فَيَقُرُّهَا» هو بفتح الياء وضم القاف والراء، أي: يُلْقِيها، «والعَنانِ» بفتح العين.
الكاهن: من يخبر عن المغيبات، والتنجيم: نوع من الكهانة. والعرافة: نوع من التنجيم، وأصحاب الرمل والطوارق من الكهان، وقد كذبهم الشرع، ونهى عن تصديقهم وإتيانهم.
قال الخطابي: هؤلاء الكهان فيما عُلم بشهادة الامتحان قومٌ لهم أذهان حادة، ونفوس شريرة، وطبائع نارية، فهم يفزعون إلى الجن في أمورهم، ويستفتونهم في الحوادث، فيلقون إليهم الكلمات.
قوله: «فقال: ليس بشيء»، أي: ليس قولهم بشيء يعتمد عليه.
قال الحافظ: قوله: «فَيقرَّها» بفتح أوله وثانيه وتشديد الراء، أي: يصبها.
وفي رواية: «فيقرقرها»، أي: يرددها.
وفي الحديث: بقاء استراق الشياطين السمع، لكنه قل وندر حتى كاد يضمحل بالنسبة لما كانوا فيه من الجاهلية.
وفيه: النهي عن إتيان الكهان.
قال القرطبي: يجب على من قدر على ذلك من محتسب وغيره، أن يقيم من يتعاطى شيئًا من ذلك من الأسواق، وينكر عليهم أشد النكر، وعلى من يجيء إليهم، ولا يغتر بصدقهم في بعض الأمور، ولا بكثرة من يجيء إليهم ممن ينسب إلى العلم، فإنهم غير راسخين في العلم، بل من الجهال لما فيه في إتيانهم من المحذور.
1669- وعن صَفِيَّةَ بِنتِ أبي عُبيدٍ، عن بعض أزواجِ النبي صلى الله عليه وسلم ورَضِيَ اللهُ عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فَصَدَّقَهُ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أرْبَعِينَ يَومًا». رواه مسلم.
العرَّاف: من جملة أنواع الكُهَّان.
قال الخطابي وغيره: العرَّاف: الذي يتعاطى معرفة مكان المسروق، ومكان الضالة، ونحوهما.
قوله: «لم تقبل له صلاة أربعين يومًا». قال الشارح: لأنه لا ثواب له فيها وإن كانت مجزئةً في سقوط الَفرْضِ عنه.
1670- وعَنْ قَبِيصَةَ بنِ المُخَارِقِ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «العِيَافَةُ، وَالطِّيَرَةُ، والطَّرْقُ، مِنَ الجِبْتِ». رواه أبو داود بإسناد حسن.
وقال: «الطَّرْقُ» هُوَ الزَّجْرُ: أيْ زَجْرُ الطَّيْرِ وَهُوَ أنْ يَتَيَمَّنَ أو يَتَشَاءمَ بِطَيَرَانِهِ، فإنْ طَارَ إلَى جِهَةِ اليَمِين، تَيَمَّنَ، وإنْ طَارَ إلَى جِهَةِ اليَسَارِ، تَشَاءمَ. قال أبو داود: «والعِيَافَةُ»: الخَطُّ.
قالَ الجَوْهَريُّ في الصِّحَاحِ: الجِبْتُ كَلِمَةٌ تَقَعُ عَلَى الصَّنَمِ وَالكاهِنِ والسَّاحِرِ وَنَحْوِ ذلِكَ.
قوله: «من الجبت». قال الشارح: أي: من الكفر، إن استحل ذلك أو من السحر والكهانة وقد حذّر منها.
1671- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنَ النُّجُوم، اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ زَادَ ما زَادَ». رواه أبو داود بإسناد صحيح.
قوله: «من اقتبس علمًا من النجوم».
قال الشارح: أي: ما ينشأ من الحوادث عن سيرها، أمّا علمُ الوقت والقبلة فليسا مرادين هنا.
قوله: «فقد اقتبس شعبة»، أي: قطعة من السحر، أي: وهو من باب الكبائر، وقد يكون كفرًا. «زاد»: أي: من السحر. «ما زاد»: أي: من علوم النجوم.
قال الخطابِّي: علم النجوم المنهي عنه: هو ما يدعيه أهل التنجيم من علم الكوائن والحوادث التي لم تقع، وستقع في مستقبل الزمان، كأوقات هبوب الرياح، ومجيء المطر، وتغيير السعر، وما في معناها مما يزعمون إدراكه من الكواكب في مجاريها وافتراقها، ويدعون أنَّ لها تأثيرًا في السلفيات، وأنها تجري على ذلك، وهذا منهم تحكم على الغيب، وتعاطٍ لعلم قد استأثر الله تعالى به، لا يعلم الغيب سواه.
وأما علم النجوم الذي يدرك بالمشاهدة والخبر، كالذي يعرف به الزوال، ويعلم به جهة القبلة، فغير داخل فيما نهي عنه؛ لأن مدار ذلك على ما يشاهد من الظل في الأول، والكواكب في الثاني. انتهى ملخصًا.
1672- وعن مُعاوِيَةَ بنِ الحَكَمِ رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسُولَ اللهِ إنِّي حديثُ عَهْدٍ بالجاهِليَّةِ، وَقَدْ جَاءَ اللهُ تَعَالَى بالإسْلاَمِ، وإنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأتُونَ الكُهَّانَ؟ قال: «فَلا تأتِهِمْ» قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ؟ قَالَ: «ذَلِكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ، فَلا يَصُدُّهُمْ» قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ؟ قَالَ: «كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الأنْبِيَاءِ يَخُطُّ، فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ». رواه مسلم.
فيه: تحريم المجيء إلى الكهان.
قوله: ومنا رجال يتطيرون؟ قال: «ذلك شيء يجدونه في صدورهم».
قال الشارح: أي أمر خلقي بحسب الطبع، لا يكلفون برفعه، إنما يكلفون أن لا يعملوا بقضيته، كما قال: فلا يصدهم، أي لا يعيقهم ذلك عما خرجوا له، فإن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى، ولا أثر لغيره في شيء ألبتة.
قوله: ومنا رجال يخطّون؟ قال: «كان نبِيٌّ من الأنبياء يخط فمن وافق خطة فذاك».
قال في النهاية: قال ابن عباس: الخط: هو الذي يخطه الحازي، وهو علم قد تركه الناس، يأتي صاحب الحاجة إلى الحازي فيعطيه حلوانًا، فيقول له: اقعد حتى أخط لك. وبين يدي الحازي غلام له معه ميل، ثم يأتي إلى الأرض رخوة فيخط فيها خطوطًا كثيرة بالعجلة لئلا يلحقها العدد، ثم يرجع فيمحو منها على مهل خطين خطين، وغلامه يقول للتفاؤل: ابنَيْ عيان أسرعا البيان، فإن بقي خطان فهما علامة النجح، وإن بقي خط واحد فهو علامة الخيبة.
وقال الحربي: الخط: هو أن يخط ثلاثة خطوط، ثم يضرب عليهن بشعير أو نوى، ويقول: يكون كذا وكذا، وهو ضرب من الكهانة.
قلت: الخط المشار إليه علم معروف، وللناس فيه تصانيف كثيرة، وهو معمول به إلى الآن، ولهم فيه أوضاع، واصطلاح، وأسام. وعمل كثير، ويستخرجون به الضمير وغيره، وكثيرًا ما يصيبون فيه. انتهى كلام النهاية.
وقال الخطابي: الكهانة على أصناف، منها ما يتلقونه من الجن، إلى أنْ قال: ثالثها: ما يستند إلى ظن، وتخمين، وحدث، فهذا قد يجعل الله فيه لبعض الناس قوة، مع كثرة الكذب فيه. رابعها: ما يستند إلى التجربة والعادة، فيستدل على الحادث بما وقع قبل ذلك.
ومن هذا القسم الأخير ما يضاهي السحر، وقد يعْتضد بعضهم في ذلك بالزجر، والطرق، والنجوم، وكل ذلك مذموم شرعًا.
وقال الخطابي أيضًا: وأما قوله: «فمن وافق خطه فذاك». فقد يحتمل أنْ يكون معناه الزجر عنه إذا كان من بعده لا يوافق خطه، ولا ينال حظه من الصواب؛ لأن ذلك إنما كان آية لذلك النبي، فليس لمن بعده أنْ يتعاطاه طمعًا في نيله. والله أعلم.
1673- وعن أَبي مَسعودٍ البدريِّ رضي الله عنه أنَّ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ، وَمَهْرِ البَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الكاهِنِ. متفق عَلَيْهِ.
قوله: «نهى عن ثمن الكلب». قال الحافظ: ظاهر النهي تحريم بيعه، وهو عام في كل كلب؛ معلمًا كان أو غيره، مما يجوز اقتناؤه أو لا يجوز، ومن لازمِ ذلك أنْ لا قيمة على متلفه وبذلك قال الجمهور. انتهى.
وقال عطاء والنخعي: يجوز بيع كلب الصيد دون غيره. لما روى النسائي عن جابر، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا كلب صيد.
قوله: «ومهر البغي»: هو ما تُعْطاه على الزنى، وسُمِّي مهرًا على سبيل المجاز، وهو حرام؛ لأنه في مقابلة حرام.
قوله: «وحلوان الكاهن»: وهو ما يعطاه على كهانته.
قال الحافظ: هو حرام بالإجماع لما فيه من أخذ العوض على أمر باطل. وفي معناه التنجيم، والضرب بالحصا، وغير ذلك مما يتعاطاه العرافون من استطلاع الغيب.
والكهانة: ادّعاء علم الغيب، كالإخبار بما سيقع في الأرض مع الاستناد إلى سبب، والأصل فيه استراق الجني السمع من كلام الملائكة، فيلقيه في أُذن الكاهن.
والكاهن: لفظ يطلق على العرّاف، والذي يضرب بالحصا، والمنجم، ويطلق على من يقوم بأمر آخر، ويسعى في قضاء حوائجه.
وقال الخطابيِّ: الكهنة: قوم لهم أذهان حادة، ونفوس شريرة، وطباع نارية، فأَلِفَتْهم الشياطين لما بينهم من التناسب في هذه الأمور، وساعدتهم بكل ما تصل قدرتهم إليه.